سورة سبأ - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


{وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (34) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (36) وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (38) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)} [سبأ: 34/ 34- 39].
نزلت الآية الأولى وما بعدها فيما أخرجه ابن أبي المنذر وابن أبي حاتم عن أبي رزين قال: «كان رجلان شريكان، خرج أحدهما إلى الشام، وبقي الآخر، فلما بعث النبي صلّى اللّه عليه وسلم كتب إلى صاحبه يسأله ما عمل، فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش إلا رذالة الناس ومساكينهم، فترك تجارته، ثم أتى صاحبه، فقال: دلّني عليه، وكان يقرأ الكتب، فأتى النبي صلّى اللّه عليه وسلم فقال: إلام تدعو؟ فقال: إلى كذا وكذا، فقال: أشهد أنك رسول الله، فقال: وما علمك بذلك؟ قال: إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه رذالة الناس ومساكينهم، فنزلت هذه الآية: {وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ} الآية، فأرسل إليه صلّى اللّه عليه وسلم: إن اللّه قد أنزل تصديق ما قلت».
هذه الآيات مؤانسة من اللّه لنبيه عما يلقاه من إعراض قومه عن دعوته، والمعنى: لم نبعث إلى أهل كل قرية نبيا أو رسولا، يحذّرهم ويخوفهم عقاب اللّه إلا قال الأغنياء المترفون منهم: إنا مكذّبون بما أرسلتم به من توحيد اللّه والإيمان به.
واعتمد هؤلاء الأغنياء على الاغترار بالأموال والأولاد، فقالوا لمن دونهم في الثروة: إن اللّه فضّلنا عليكم بالأموال والأولاد، وأنتم ضعاف فقراء، مما يدل على تميزنا ورضا اللّه عنا، وما نحن عليه، ولسنا بمتعرضين للعذاب إطلاقا، لأن الله الذي تدعونا إليه منحنا هذه النعم، فهو إذن راض عنا.
فقل أيها الرسول في الرد عليهم: إن اللّه يمنح الرزق أو المال لمن أحب ولمن لم يحب، فيغني من يشاء، ويفقر من يشاء، ولكن أكثر الناس مثلكم لا يعلمون حقيقة سنة الله في خلقه، فقياسكم الآخرة على الدنيا خطأ محض، وليس الأمر كما ظننتم، بل بسط الرزق وتقديره أو تقتيره معلّق بالمشيئة الإلهية، في الكافر والمؤمن، وليس ذلك دليلا على رضا اللّه والقرب منه، لأنه قد يعطي الرزق أملا واستدراجا، ولأن أساس التقرب من اللّه هو الإيمان والعمل الصحيح فقط.
وليست كثرة أموالكم وأولادكم دليلا على محبة اللّه لكم ورضاه عنكم، ولا هي مما تقربكم إلى رحمتنا وفضلنا، لأن التقريب إنما هو بالإيمان والعمل الصالح، فالمؤمنون بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، الذين يعملون صالح الأعمال من أداء الفرائض والطاعات هم المقربون لله تعالى.
أما الذين يحاولون الطعن بآياتنا مغالبين زاعمين التفوق، فهم جميعا مقدّمون للعذاب، من غير مهرب ولا إفلات، وبيان حال هؤلاء المؤمنين بعد بيان حال الكافرين وتوضيح جزاء كل فريق، ليظهر تباين المنازل، وتكون المقارنة حافزا على الاستقامة، وترك الضلالة.
ثم أوضح اللّه تعالى نظامه في الإمداد بالرزق، فأمر نبيه أن يقول: إن ربي وحده هو الذي يوسع الرزق على من يريد من عباده، ويضيّقه على من يريد، على وفق ما يجده من الحكمة السديدة التي لا يدركها سواه.
وليطمئن كل إنسان على رزقه، فكل ما تنفقونه أيها الناس في فعل الخير، فالله يعوضه عليكم بالبديل في الدنيا، أو بالجزاء في الآخرة، واللّه هو الرازق في الحقيقة، وما مساعي الناس إلا وسائط وأسباب، وهذا تزهيد في الدنيا، وترغيب في عمل الخير، والإنفاق في مرضاة اللّه تعالى.
حال الكفار يوم القيامة:
إذا لم يستجب الكافر لمنطق العقل ودلالة الحجة والبرهان، كان جاهلا غبيا، فلا ينفع معه الا التهديد والوعيد، لذا سلك القرآن الكريم هذا المسلك حينما لم يصغ المشركون لنداء العقل والمنطق، وأصروا على الكفر والضلال، فاستحقوا الوعيد والإنذار، والتخويف بالعذاب الشديد يوم القيامة، لا على مجرد تكذيبهم النبي، بل على افترائهم ووصفهم الوحي والنبوة بالإفك المفترى، أو السحر الواضح، دون أن يكون لهم دليل مقبول على ذلك من كتاب منير، أو منذر مبين، وكانوا مثل من تقدمهم من الأقوام الذين كذبوا الرسل، مع أنهم لم يبلغوا في القوة والنعم والتفوق وكثرة المال عشر معشار من قبلهم، وصف اللّه تعالى هذه الأوضاع بما يأتي:


{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (42) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (45)} [سبأ: 34/ 40- 45].
هذه آيات وعيد للكفار، فيوم يجمع اللّه تعالى العابدين والمعبودين، والقادة والأتباع، ثم يسأل اللّه الملائكة الذين عبدتهم جماعات وثنية: أهؤلاء كانوا يعبدونكم، وأنتم أمرتموهم بعبادتكم؟ وهذا سؤال تقريع وتوبيخ أمام الخلائق، ليسمع الآخرون. فقالت الملائكة: سبحانك، أي تنزيها لك يا رب عن الشريك وعما فعل هؤلاء الكفرة، نحن عبيدك، وأنت مولانا وناصرنا، ومتولي أمورنا، ونتبرأ إليك منهم، ولم نتخذهم عابدين، بل إنهم كانوا يعبدون الشياطين، أكثرهم مصدّقون بهم، فيما يلقون إليهم من الوساوس والأكاذيب. فقولهم {أَنْتَ وَلِيُّنا} يريدون به البراءة من أن يكون لهم علم أو رضا أو مشاركة في أن يعبدهم البشر.
ثم يعلن اللّه إفلاس المشركين، ففي يوم القيامة لا يملك أحدهم للآخر نفعا ولا ضرا، ولا يتحقق لهم منفعة من الأصنام والمعبودين، ولا يجلبون لهم ضررا أو سوءا.
وحينئذ يقول اللّه توبيخا وتقريعا للذين ظلموا أنفسهم بالشرك والضلال: ذوقوا عذاب جهنم، الذي كنتم تكذبون بوقوعه في الدنيا، فأنتم الآن في حميم النار، وفي لظى السعير.
وأسباب استحقاق الكفار نار جهنم ثلاثة: الطعن بالنبي صلّى اللّه عليه وسلم، وبالقرآن المجيد، وبالإسلام كله.
أما الطعن بالنبي: فإذا تليت عليهم آيات القرآن الواضحة الدالة على إثبات التوحيد، وإبطال الشرك قالوا: ما هذا الرجل، أي محمد إلا رجل يريد صرفكم عن دين الآباء والأجداد من عبادة الأصنام.
وأما الطعن بالقرآن: فإنهم يقولون أيضا: ما هذا الكتاب، أي القرآن إلا إفك مفترى، أي كذب مختلق من قبل محمد، ويدعي أنه من عند الله.
وأما الطعن بالإسلام كله: فإنهم يقولون: ما هذا الدين أو الإسلام إلا سحر ظاهر، بما اشتمل عليه من استجلاب النفوس واستمالة الأسماع. تعالى اللّه عن أقوالهم، وتنزه شرع اللّه عن طعنهم.
إنهم يقولون بآرائهم الباطلة هذه الأقوال، من وصف كتاب اللّه بالسحر أو الافتراء، وليس لهم دليل أصلا على ما زعموا، فلم ينزل اللّه عليهم كتابا قبل القرآن يقرر لهم دينا، ولم يرسل اللّه إليهم نبيا قبل محمد صلّى اللّه عليه وسلم يدعوهم إلى الحق، ولم يبعث اللّه لهم منذرا ينذرهم عذاب الله.
ولا قيمة لتكذيبهم وتشنيعهم، فلقد كذّبت بالرسل قبلهم أقوام كقوم نوح وعاد وثمود، ولم يبلغوا بقوتهم وماليتهم عشر ما آتى اللّه السابقين من ذلك، فلم يمنع ذلك عنهم عذاب الله، وكيف كان إنكاري الشديد عليهم؟
وقوله تعالى: {فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ} تعظيم للأمر، وليس استفهاما مجردا، وفي هذا تهديد لقريش، أي إنهم معرّضون لنكير وعذاب مثله، فما جرى على المثيل يجري على مثيله، لتساويهما في سبب العقاب، فيتساويان في الحكم والجزاء.
إن وضع المكذبين لرسول اللّه مجرد استكبار وعناد، وهم يعرفون الحق معرفة تامة، ولكنهم يحيدون عنه من غير حجة بينة، ولا دليل بيّن، ولا عذر لهم إلا التقليد المتوارث للآباء والأجداد، وإهمال عقولهم وتفكيرهم ووعي ظروف المستقبل.
الدعوة إلى الإيمان والعبادة والنبوة:
أمر اللّه نبيه بدعوة الناس قاطبة إلى عبادة اللّه تعالى وطاعته والإخلاص له، والنظر في حقيقة نبوته هو، والإيمان بالقرآن والقيامة والحساب والجزاء، وذلك لإنقاذ أنفسهم من العذاب الأليم، والبعد عن دائرة الكفر ومفاسده، والضلال ومذاهبه، والسير في فلك الحق ونفعه، والبعد عن الباطل وخسرانه، قبل أن يأتي يوم القيامة، فلا ينفعهم إيمان بالقرآن والنبي محمد صلّى اللّه عليه وسلم، لأن الآخرة دار الحساب والجزاء، والدنيا دار التكليف والاختبار، وهذا صريح الآيات الآتية:


{قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46) قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (49) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (51) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)} [سبأ: 34/ 46- 54].
المعنى: قل أيها النبي للمشركين: أحذركم عاقبة السوء، وآمركم بخصلة أو قضية واحدة: وهي التأمل والنظر في حقيقة النبوة، وعبادة اللّه تعالى، وفي طاعته، إما مثنى (اثنين اثنين) وإما فرادى (واحد واحد) لأن الاجتماع الكثير يشوش الفكر، وينشر الغوغائية، وحينئذ تعلمون أن صاحبكم ليس بساحر ولا مجنون، وإنما هو نبي مؤيد من عند اللّه بالمعجزات المصدقة له، وأنه منذركم ومخوفكم ما ينتظركم من عذاب شديد على النفوس يوم القيامة.
وقل أيها النبي أيضا للمشركين: لم أطلب منكم أجرا ولا عطاء على أداء رسالة اللّه عز وجل إليكم، فما ثوابي أو أجري إلا على اللّه تعالى، واللّه مطلع على كل شيء، وعالم به، من صدقي بتبليغ الرسالة، وإعلامكم بالنبوة. وهذا أمر من اللّه تعالى بالتبري من طلب الدنيا وطلب الأجر على الرسالة، وتسليم كل دنيا إلى أهلها والتوكل على اللّه في الأجر، والإقرار بأنه شاهد على كل شيء من أفعال البشر وأقوالهم وغير ذلك. إن ربي عالم الغيب والشهادة يصطفي للنبوة من يشاء ويرسل جبريل بالوحي إلى من يشاء من عباده.
وقل كذلك أيها النبي للمشركين: جاء الدين الحق، وهو الإسلام الذي سيعلو على كل الدنيا، وآيات القرآن، وما يصنع الباطل شيئا، والباطل: الكذب والكفر.
ونحوه، استعار له الإبداء والإعادة، ونفاهما عنه.
وقل أيضا أيها الرسول لأهل الشرك: إن انحرفت عن الهدى ودين الحق، فإن إثم انحرافي على نفسي، وإن وفّقت للحق، فبسبب ما أوحى إلي ربي من الهداية والتوحيد والاستقامة، إنه سبحانه تام السمع لقولي وقولكم، قريب مني ومنكم، يعلم الهدى والضلالة، ويجازي كل إنسان بما يستحق.
ولو رأيت أيها النبي هؤلاء الكفار حين خافوا عند البعث والنشر من القبور، ثم الحشر، وعند رؤية ألوان العذاب الشديد، لرأيت العجب، فهم لا يتمكنون من الهرب والنجاة، ويؤخذون فورا من مكان قريب إلى نار جهنم، أي إنهم قريبون من ذلك لتناول القدرة الإلهية لهم حيث كانوا. فتدل الآية على معنى التعجب من حالهم، إذا فزعوا من أخذ اللّه إياهم، ولم يتمكن أحد منهم من الإفلات.
وقال الكفار حين الأخذ للعذاب: لقد آمنا بمحمد صلّى اللّه عليه وسلم وشرعه والقرآن، ولكن كيف لهم تعاطي الإيمان أو نيله، وقد بعدوا عن محل قبوله، أي أنّى لهم تناول مرادهم، وقد بعدوا عن مكان إمكان ذلك. وكيف يظفرون بالإيمان في الآخرة، وقد كفروا بالحق والقرآن والرسل في الدنيا؟ وكانوا يرجمون بالظن بقولهم: سحر وافتراء وغير ذلك، ويتكلمون بلا حجة ولا برهان، ويرمون بظنونهم الرسول وكتاب الله، وذلك غيب عنهم. وحيل بينهم وبين شهواتهم في الدنيا، وبين ما طلبوه في الآخرة، فمنعوا منه. والمراد أنه حيل بينهم وبين الإيمان، والتوبة، والرجوع إلى الأمانة والعمل الصالح، لأنهم اشتهوه في وقت لا تنفع فيه التوبة.
وقد فعلنا بهم ذلك، كما فعلنا بأمثالهم من كفار الأمم الماضية، إنهم كانوا جميعا في الدنيا في شك وريبة من أمر الرسل، ومطالبتهم بالتوحيد، وإثباتهم البعث والجزاء، والشرائع والأحكام. والأشياع: الفرق المشابهة لهم من كل أمة، جمع شيعة.

1 | 2 | 3